الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي
.بَابُ الْكِتَابَةِ: (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ السِّرَايَةِ فِي الْحَالِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ لِنَصِيبِ الْمُكَاتَبِ وَفِي التَّعْجِيلِ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ لِفَوَاتِ الْوَلَاءِ وَبِالْمُكَاتَبِ لِانْقِطَاعِ الْوَلَاءِ وَالْكَسْبِ عَنْهُ فَلَا يَسْرِي حَتَّى يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ وَيُرَقَّ. (سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ: وَهَلْ نَقُولُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْمِلْكُ بِالرَّدِّ أَوْ نَقُولُ إذَا رُقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ قَوْلَانِ مَا الرَّاجِحُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَعِيبَ إلَّا بِرِضَاهُ بِهِ. (سُئِلَ) عَنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ هَلْ الْحَقُّ فِيهِ لِسَيِّدِهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخَانِ يُشْبِهُ أَنَّهُ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ أَيْ فَالْحَقُّ فِيهِ لِلْأُمِّ فَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ وَهْمٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ جَارِيَتَهُ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أَمَّهُ فِي الرِّقِّ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إنَّمَا جَاءَهُ الرِّقُّ مِنْ أُمِّهِ لَا مِنْ رِقِّ أَبِيهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُهَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْفُونِيُّ وَلَا الْحِجَازِيُّ وَلَا ابْنُ الْمُقْرِي وَلَا صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. (سُئِلَ) عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. .بَابُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ: (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِيلَادِ بِإِحْبَالِ الشَّخْصِ أَمَتَهُ وِلَادَتُهَا فِي حَيَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ وَلَدِهَا مِنْ ذَلِكَ الْإِحْبَالِ لَاحِقًا بِهِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ الْمَبْسُوطَةِ وَالْمُخْتَصَرَةِ شَامِلٌ لِوِلَادَتِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِحَيْثُ يَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ يَنْعَقِدُ حُرًّا وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِالْوِلَادَةِ مُسْتَوْلَدَةً تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ بِشَرْطِ أَنْ تَظْهَرَ عَلَى الْوَلَدِ خِلْقَةُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ لِلْقَوَابِلِ. وَأَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ انْعَقَدَ حُرًّا، وَأَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مَقْرُونًا بِحَالَةِ الِاسْتِيلَادِ قَبْلَ وَضْعِهَا ثُمَّ وَضَعَتْهُ لِمُدَّةٍ يُحْكَمُ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ لَكِنْ هَلْ يَقْضِي بِعِتْقِهَا مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ أَوْ مِنْ حِينِ مَوْتِ السَّيِّدِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالْأَوْجُهُ الثَّانِي وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إكْسَابُهَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْوَضْعِ. اهـ. وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ مِمَّا عَبَّرُوا فِيهِ بِثُمَّ وَمِنْ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ وِلَادَتِهَا فِي حَيَاتِهِ إذْ خُرُوجُ رَأْسِهِ أَوْ انْفِصَالُ عُضْوٍ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِوِلَادَةٍ، وَإِنَّمَا نَبَّهُوا بِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِعِتْقِهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا يَكْفِي فِيهِ ظُهُورُ بَعْضِ الْوَلَدِ لِرَفْعِ إيهَامِ تَوَقُّفِهِ عَلَى انْفِصَالِ جَمِيعِهِ وَلِإِفَادَةِ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى أَوْ الْمُسَاوَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ. (سُئِلَ) عَمَّنْ مَلَكَ بِنْتًا وَأُمَّهَا ثُمَّ وَطِئَهُمَا، وَأَوْلَدَهُمَا هَلْ أَوْلَادُهُ مِنْهُمَا نَسَبُهُمْ ثَابِتٌ مِنْهُ فَيَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ وَتَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْأَمَتَيْنِ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورِينَ ثَابِتٌ نَسَبُهُمْ فَيَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ حَتَّى أَوْلَادَ مَنْ وَطِئَهَا ثَانِيًا، وَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا وَصَارَتْ كُلٌّ مِنْ الْأَمَتَيْنِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. (سُئِلَ) عَمَّا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَنِيَّ سَيِّدِهَا الْمُحْتَرَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ وَيَرِثُ مِنْهُ أَمْ لَا وَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ أَمْ لَا لِكَوْنِهَا بِمَوْتِهِ انْتَقَلَتْ لِوَارِثِهِ وَهَلْ فِيهَا نَقْلٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيَرِثُ مِنْهُ لِكَوْنِ مَنِيِّهِ مُحْتَرَمًا حَالَ خُرُوجِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا أَيْضًا حَالَ اسْتِدْخَالِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ فِي زَوْجَتِهِ فَسَاحَقَتْ بِنْتَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ ذَكَرَهُ بِحَجَرٍ بَعْدَ إنْزَالِهِ فِيهَا فَاسْتَنْجَتْ بِهِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَحَبِلَتْ مِنْهُ. اهـ. وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهَا حَالَ عُلُوقِهَا بِهِ. (سُئِلَ) هَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَا يُلْقَى بِهِ الْحَمْلُ مَا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ رُوحٌ كَمَا قَالَهُ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْحَلِيمِيُّ الدَّوَاءَ لِقَطْعِ الْحَبَلِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَا يُلْقَى مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِنْ حُرِّمَ الدَّوَاءُ لِقَطْعِ الْحَبَلِ لِأَدَائِهِ إلَى قَطْعِ النَّسْلِ. (سُئِلَ) عَمَّنْ أَحْبَلَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ خَرَجَ رَأْسُ جَنِينِهَا مَثَلًا فَهَلْ تَعْتِقُ حَالًا أَوْ لَا تَعْتِقُ حَتَّى يَتِمَّ خُرُوجُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَعْتِقُ حَتَّى يَتِمَّ خُرُوجُهُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْعِدَدِ أَنَّ أَحْكَامَ الْجَنِينِ بَاقِيَةٌ لِلْمُنْفَصِلِ بَعْضُهُ كَمَنْعِ الْإِرْثِ وَسِرَايَةِ عِتْقِ الْأُمِّ إلَيْهِ وَعَدَمِ إجْزَائِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَوُجُوبِ الْغُرَّةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ وَتَبَعِيَّتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَلَدُ إذَا انْفَصَلَ بَعْضُهُ لَا يُعْطَى حُكْمُ الْمُنْفَصِلِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إذَا صَاحَ وَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ الثَّانِيَةُ إذَا حَزَّ إنْسَانٌ رَقَبَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ. (سُئِلَ) عَنْ حِكْمَةِ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يَقُلْ وَعِتْقُهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَصْرُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِئَلَّا يُوهِمَ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهِيَ مَنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ شَامِلٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا. (سُئِلَ) عَنْ أُمِّ وَلَدٍ بِيعَتْ فِي دَيْنٍ ثُمَّ أَوْلَدَهَا مُشْتَرِيهَا ثُمَّ بِيعَتْ فِي دَيْنِهِ ثُمَّ مَلَكَهَا هَلْ يَنْفُذُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَنْفُذُ إيلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَنْفُذُ إيلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي قَدْرِ مَا مَلَكَهُ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَالِدِهِ فَرَهَنَ عَلَيْهِ أَمَةً فَوَطِئَهَا الْوَالِدُ، وَأَحْبَلَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهَلْ يَنْفُذُ إيلَادُهُ وَلَا الْتِفَاتَ لِمَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ الرَّاهِنُ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنَّهُ فَاتَ عَلَيْهِ الِارْتِفَاقُ بِالتَّوْفِيَةِ مِنْ الْأَمَةِ وَمَا يَلْزَمُ الْوَالِدُ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ بِتَأَخُّرِ الْحُصُولِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا، وَالتَّقَاصُّ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ أَوْ صِفَتِهِ وَصَارَ يَلْزَمُ بِالتَّوْفِيَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَيُحْبَسُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالنُّفُوذِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ لَا يَنْفُذُ الْإِيلَادُ مِنْ الْمَالِكِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَيَنْفُذُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَمَا هُنَا وَلَا يُرَاعَى حَقُّ الرَّاهِنِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَنْفُذُ إيلَادُهُ لِأَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا مُتَضَمِّنٌ لِرِضَاهُ بِنُفُوذِ إيلَادِهِ لَهَا عِنْدَ حَبَلِهَا وَعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا فِي دَيْنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ إيلَادَهُ يَنْفُذُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ إيلَادُهُ لَهَا عِنْدَ إعْسَارِهِ. (سُئِلَ) عَمَّا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ مُسْتَوْلَدَةَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَتْ تَبِعَهَا وَلَدُهَا وَثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيَثْبُتُ لَهَا إذْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ مُسَلَّمٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ مُعْتَمَدٌ وَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ قُرْبَانِهَا مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا. (سُئِلَ) عَنْ أَوْلَادِ الْأَبِ مِنْ أَمَةٍ مَلَكَهَا ابْنُهُ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ نِكَاحَ الْأَبِ لَهَا لَا يَنْفَسِخُ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ هَلْ هُمْ أَحْرَارٌ أَوْ أَرِقَّاءُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ أَرِقَّاءُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرِقِّهِمْ حِينَ نَكَحَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. .هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ: وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وَقَوْلُهُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} الْآيَةَ وَقَدْ سَكَتَ الْبَغَوِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ عَنْ تَفْسِيرِهِمْ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا الشَّامِلِ لِلْكِتَابِ وَغَيْرِهِ وَالْكَبِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: «يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقَوْله تَعَالَى: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إلَّا مَنْ عَافَيْتُهُ وَاسْأَلُونِي الْمَغْفِرَةَ أَغْفِرْ لَكُمْ» وَلِقَوْلِهِ: «يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُك بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا وَتَسْتَغْفِرُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَغْفِرُ لَهُمْ» وَحَدِيثِ: «مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً»، «وَقَالَ إبْلِيسُ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَك مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالَ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي». رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. فَإِنْ قُلْتُمْ الْمَغْفِرَةُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّوْبَةِ فَمَا دَلِيلُ ذَلِكَ وَمَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَيْهِ وَمَنْ قَالَ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى الْكَبِيرَةَ أَوْ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِغْفَارِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَغْفِرَةُ الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّوْبَةِ فَقَدْ قَالَ: {وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَهَذَا أَمْرٌ عَلَى الْعُمُومِ وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الْآيَةَ. وَمَعْنَى النَّصُوحِ الْخَالِصُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِيًا عَنْ الشَّهَوَاتِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ عَمِلْتُمْ الْخَطَايَا حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ ثُمَّ نَدِمْتُمْ لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ قِيلَ كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكُونُ نَصَبَ يَمِينَهُ تَائِبًا مِنْهُ فَارًّا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَّارَةُ الذَّنْبِ النَّدَامَةُ» وَيُرْوَى: «أَنَّ إبْلِيسَ قَالَ وَعِزَّتِكَ لَا خَرَجْتُ مِنْ قَلْبِ بَنِي آدَمَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِزَّتِي لَا أَحْجُبَنَّ عَنْهُ التَّوْبَةَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ». وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أُنْزِلَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} فَالرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ وَقَالَ الْفَضِيلُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَشِّرْ الْمُذْنِبِينَ أَنَّهُمْ إنْ تَابُوا قَبِلْتُ مِنْهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَا أُحَدِّثُكُمْ إلَّا عَنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ إنَّ الْعَبْدَ إذَا عَمِلَ ذَنْبًا ثُمَّ نَدِمَ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ سَقَطَ عَنْهُ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْقُدْوَةُ فِيهَا عَلَى عُلَمَائِنَا الِاسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَحِلُّ عُقَدَ الْإِصْرَارِ وَيُثَبِّتُ مَعْنَاهَا فِي الْجِنَانِ لَا التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَقَلْبُهُ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَاسْتِغْفَارُهُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ وَصَغِيرَتُهُ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ. قُلْت هَذَا يَقُولُهُ فِي زَمَانِهِ فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا هَذَا الَّذِي يُرَى فِيهِ الْإِنْسَانُ مُكِبًّا عَلَى الظُّلْمِ حَرِيصًا عَلَيْهِ وَالسُّبْحَةُ فِي يَدِهِ زَاعِمًا أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذَنْبِهِ وَذَلِكَ اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُ وَاسْتِخْفَافٌ وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} وَقَالَ الزَّنْجَانِيُّ ذِكْرُ اللَّهِ ذِكْرُ عِقَابِهِ وَخَطِيئَتِهِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ، وَالِاسْتِغْفَارُ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا فَإِنَّا تُبْنَا نَادِمِينَ مُقْلِعِينَ عَازِمِينَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَهِيَ التَّوْبَةُ الْمُعْتَدُّ بِهَا وَقَالَ ابْنُ زُهْرَةَ فِيهَا: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أَيْ طَلَبُوا الْمَغْفِرَةَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} وَقَدْ يَشْمَلُ الِاسْتِغْفَارُ الشُّرُوطَ الثَّالِثَةَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا إصْرَارَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ». لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الْمَطْلُوبَ هُوَ الَّذِي يَحِلُّ عُقْدَةَ الْإِصْرَارِ لَا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الْمَطْلُوبَ الْجَامِعُ لِشُرُوطِ التَّوْبَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُسْتَغْفِرُ مِنْ الذَّنْبِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ التَّوْبَةُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ كُلِّ مُذْنِبٍ وَإِنَّمَا سَكَتَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ تَفْسِيرِهِمْ الْآيَةَ الثَّالِثَةَ اكْتِفَاءً مِنْهُمْ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُمْ.
|